Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الأعراف - الآية 179

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) (الأعراف) mp3
يَقُول تَعَالَى " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم " أَيْ خَلَقْنَا وَجَعَلْنَا لِجَهَنَّم " كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس " أَيْ هَيَّأْنَاهُمْ لَهَا وَبِعَمَلِ أَهْلهَا يَعْمَلُونَ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُق الْخَلْق عَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْل كَوْنهمْ فَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْده فِي كِتَاب قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة كَمَا وَرَدَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ اللَّه قَدَّرَ مَقَادِير الْخَلْق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء ". وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا مِنْ حَدِيث عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَنْ خَالَتهَا عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : دُعِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِنَازَة صَبِيّ مِنْ الْأَنْصَار فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه طُوبَى لَهُ عُصْفُور مِنْ عَصَافِير الْجَنَّة لَمْ يَعْمَل السُّوء وَلَمْ يُدْرِكهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوَغَيْر ذَلِكَ يَا عَائِشَة إِنَّ اللَّه خَلَقَ الْجَنَّة وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ وَخَلَقَ النَّار وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " ثُمَّ يَبْعَث اللَّه إِلَيْهِ الْمَلَك فَيُؤْمَر بِأَرْبَعِ كَلِمَات فَيَكْتُب رِزْقه وَأَجَله وَعَمَله وَشَقِيّ أَمْ سَعِيد " وَتَقَدَّمَ أَنَّ اللَّه لَمَّا اِسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّة آدَم مِنْ صُلْبه وَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ أَصْحَاب الْيَمِين وَأَصْحَاب الشِّمَال قَالَ " هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي " وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا كَثِيرَة وَمَسْأَلَة الْقَدَر كَبِيرَة لَيْسَ هَذَا مَوْضِع بَسْطهَا وَقَوْله تَعَالَى" لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا " يَعْنِي لَيْسَ يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْجَوَارِح الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَة فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعهمْ وَلَا أَبْصَارهمْ وَلَا أَفْئِدَتهمْ مِنْ شَيْء إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّه " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" هَذَا فِي حَقّ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ فِي حَقّ الْكَافِرِينَ " صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " وَلَمْ يَكُونُوا صُمًّا وَلَا بُكْمًا وَلَا عُمْيًا إِلَّا عَنْ الْهُدَى كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ " وَقَالَ " فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " وَقَالَ" وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْر الرَّحْمَن نُقَيِّض لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيل وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " وَقَوْله تَعَالَى " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ" أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقّ وَلَا يَعُونَهُ وَلَا يُبْصِرُونَ الْهُدَى كَالْأَنْعَامِ السَّارِحَة الَّتِي لَا تَنْتَفِع بِهَذِهِ الْحَوَاسّ مِنْهَا إِلَّا فِي الَّذِي يُقِيتهَا مِنْ ظَاهِر الْحَيَاة الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعَق بِمَا لَا يَسْمَع إِلَّا دُعَاء وَنِدَاء " أَيْ وَمَثَلهمْ فِي حَال دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِيمَان كَمَثَلِ الْأَنْعَام إِذَا دَعَاهَا رَاعِيهَا لَا تَسْمَع إِلَّا صَوْته وَلَا تَفْقَه مَا يَقُول وَلِهَذَا قَالَ فِي هَؤُلَاءِ " بَلْ هُمْ أَضَلّ" أَيْ مِنْ الدَّوَابّ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَجِيب مَعَ ذَلِكَ لِرَاعِيهَا إِذَا أَيِسَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَفْقَه كَلَامه بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ وَلِأَنَّهَا تَفْعَل مَا خُلِقَتْ لَهُ إِمَّا بِطَبْعِهَا وَإِمَّا بِتَسْخِيرِهَا بِخِلَافِ الْكَافِر فَإِنَّهُ إِنَّمَا خُلِقَ لِيَعْبُد اللَّه وَيُوَحِّدهُ فَكَفَرَ بِاَللَّهِ وَأَشْرَكَ بِهِ وَلِهَذَا مَنْ أَطَاعَ اللَّه مِنْ الْبَشَر كَانَ أَشْرَفَ مِنْ مِثْله مِنْ الْمَلَائِكَة فِي مَعَاده وَمَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ الْبَشَر كَانَتْ الدَّوَابّ أَتَمَّ مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الإفصاح عما زادَته الدرَّة على الشاطبية

    الإفصاح عما زادَته الدرَّة على الشاطبية: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «بدا لي أثناء تصنيفي كتاب: «التذكرة في القراءات الثلاث المُتواتِرة وتوجيهها» أن أجمعَ الكلماتِ التي زادَتها الدرَّة على الشاطبية، وبعد أن انتهيتُ من ذلك فكَّرتُ مليًّا في أن أُفرِد مُصنَّفًا خاصًّا أُضمِّنُه تلك الزيادات كي يكون مرجِعًا للمُشتغلين بعلومِ القراءات؛ حيث لم يُوجَد هناك مُصنِّف حذَا هذا الحَذو، وقد سمَّيتُه: «الإفصاح عما زادَته الدرَّة على الشاطبية». ومعنى ذلك: أنني لن أذكُر إلا القراءات التي لم يقرأ بها أحدٌ من الأئمة السبعة ولا رُواتهم من طريق الشاطبية».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384389

    التحميل:

  • وظائف رمضان

    وظائف رمضان : مختصرٌ لطيفٌ في وظائفِ هذا الموسمِ الشريف، يبعثُ الهمَمَ إلى التَّعرُّضِ للنَّفَحَاتِ، ويُثيرُ العزمَ إلى أشرفِ الأوقاتِ، لخصه الشيخ - رحمه الله - من كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، للعلامة ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/71231

    التحميل:

  • دليل الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

    دليل الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: دليل موجز يحتوي على ما تيسر من أحكام الحج والعمرة.

    الناشر: هيئة التوعية الإسلامية في الحج

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/111040

    التحميل:

  • حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه

    حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه: رسالة في نقض شُبَه من يُجوِّز الاحتفال بالمولد النبوي.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1959

    التحميل:

  • الأدلة على بطلان الاشتراكية

    الأدلة على بطلان الاشتراكية: في هذه الرسالة بيَّن الشيخ - رحمه الله - الأدلة على بطلان الاشتراكية، وهي النظرية الاقتصادية السياسية التي يزعم مُعتنِقوها أنها تُناهِض الظلم الاجتماعي، والتي اتخذت لهذا الغرض كلمات برَّاقة، وشِعارات خادعة حتى طغَت ردحًا من الزمن على ما عداها من النزعات الفكرية المعاصرة، ثم تولَّت حاسرة مهزومة كغيرها من النظريات المنحرفة عن جادَّة الصراط المستقيم.

    الناشر: موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين http://www.ibnothaimeen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/348429

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة